السخرية فى قصص يوسف السباعى
بقلم : عماد الدين عيسى
تمهيد:
للسخرية فى الأدب أصول وجذور سواء كان إبداعاً عربياً أو باللغات للآداب الأخرى خصوصاً الإيطالية والفرنسية والإنجليزية.
ففى بدايات القرن الرابع عشر أبدع الشاعر والروائى الإيطالي "بوكاشيو- جيوفانى “الديكاميرون”(1) وهى من نوع الكوميديا الساخرة... ويطلق عليها الكوميديا الإيطالية.. وتتضمن مائه قصة يرويها بعض الفارين من فلورنسة، فكل منهم يروى قصة طريفة تتميز بروح الفكاهة والسخرية ومجموعها يقدم صورة صادقة عن الحياة والأخلاق فى ذلك الوقت بأسلوب ساخر.
ويعتبر “جوناثان “(2) أعظم كاتب ساخر فى الأدب الإنجليزى على الإطلاق. ومن أشهر أعماله “رحلات جليفر” التى ظهرت سنة 1726، والتى فيها أرخى العنان للسخرية بالخلق البشرى، والقصة خيالية تحكى أسفاراً وهمية فى بلاد الأقزام والعمالة حيث تتجلى وحشية البشر ودهاؤهم.
ثم ظهرت عبقرية أخرى هى”بلزاك”(3) بإبداعه لما عرف بـ”ألف ليلة وليلة الفرنسية” وهى قصص قصيرة بعنوان “الكوميديا الإنسانية"، والتى صدرت فيما بين 1832 و1847، فى مواجهة مع الكوميديا الإلهية، لدانتى الليجيرى، وتعتبر الكوميديا الإنسانية من القصص الساخرة سخرية لاذعة..
أما فى العصر الحديث فقد انتشرت الكوميديا الساخرة بأقلام “بنيرو"، وشو، ونويل كوارد، والتى كانت جذورها ترجع إلى القرن 16 وذلك كنوع من الملهاة الشعبية التى يختلط فيها النقد والفكاهة بالأغاني والرقص.
أما الكوميديا فى الأدب العربى قديماً.. فمن خلال فن القص كانت تحتمل الكثير من السخرية حتى من المعلومة خاصة، وكانت الخرافة تطلق على القصص، وأيضاً تسمى بالحديث، والخبر، والسمر والخرافة... وهذه الأخيرة تخلط الدهشة بالسخرية، وترددت فى “أخبار النضر بن الحارث وغيره...
ففى “خبر الحياة الأخرى" قال النضر بدهشة وسخرية شديدتين:
"حياة ثم موت ثم بعث لعمرى إن هذا حديث خرافة "
ودون “ابن النديم“ فى "الفهرست” من تلك القصص والحكايات وغيرها الكثير فى العصر العباسى وظهور “ألف ليلة وليلة“ و”كليلة ودمنة". إلى ظهور المقامات وما فى بعضها من مناظر ساخرة.
وفى العصر الحديث كان لعبد الله النديم دوراً بارزاً فى الكتابات الساخرة ومن ذلك ما صدر بعنوان "التنكيت والتبكيت"، ثم ظهر العديد من القصص القصيرة التى اختلطت فيها الكوميديا بالسخرية، أو ما يمكن تسميته بالكوميديا الساخرة، فنجدها عند طه حسين فى قصة “نادى الشياطين”(4) حيث نستشعر فيها نقداً ساخراً لمملكة إبليس، وهنالك يقــرع الشياطين لقلة الغاوين والمنحرفين. “قال إبليس: فأين النساء ؟ “
قال الشخص الماثل (شيطان): “تكبرت، كنا أشجع منا نفوساً وأقدر منا على الاحتمال، فآثرنا البقاء فيما يكتنفهن من ضيق، حتى يبلغهن أمرك أويأتيهن الموت ".
قال إبليس: "ولم يخذكم ما رأيتم من صبرهن واحتمالهن”؟
ثم سكن(إبليس) قليـــلاً، ثم قال: “بـــم يـــدعوك هـــذا الحـــى مـــن قريش ؟ “
قال الشخص الماثل: “يدعوننى هُبل “
قال إبليس: “ويزعمون إنك أكبر آلهتهم، فعد إلى مكانك مدحوراً مخذولا، لأؤمرن عليكم النساء منذ الليلة، ولأعقدن لواءكم للعزى”
ثم نجد مبدعين آخرين ساخرين مثل إبراهيم عبد القادر المازنى (5) الذى اشتهر بسخريته، وأنـه الضاحك من كـل شـئ حتـى مـن نفسه، ويقول أنه يتغلب على كآبته الأصيلة بالضحك ". ثم ها هو نجيب محفوظ نراه ساخراً فى مجموعته القصصية “همس الجنون “(6) بنظرته الفلسفية الساخرة، ثم ها هو الدكتور حسين مؤنس مبدع “إدارة عموم الزير "، التى تسخر من العهد الناصرى، إلى محمود السعدنى صاحب
كتاب “الولد الشقى “و”المتعوس فى بلاد الفلوس“ و”محمد مستجاب“ صاحب سلسلة السخرية من “آل مستجاب"، وغيرهم كثيرون...
جبرتى العصر الساخر
ولقد كان يوسف السباعى بقصصه القصيرة الساخرة من رواد الإبداع الساخر.. حتى لتكاد تجد فى عديد من قصصه القصيرة تعقباً ساخراً لمراحل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وكأنه كما وصفه نجيب محفوظ بـ “جبرتى العصر".. خصوصاً موقف السباعى الساخر من الأحزاب.. حتى ليصدق عليه بحق أنه مرآة عصره، وفى كل ذلك لا نستطيع إغفال العديد من رواياته التى لعبت السخرية فيها دوراً كبيراً...
بقلم : عماد الدين عيسى
تمهيد:
للسخرية فى الأدب أصول وجذور سواء كان إبداعاً عربياً أو باللغات للآداب الأخرى خصوصاً الإيطالية والفرنسية والإنجليزية.
ففى بدايات القرن الرابع عشر أبدع الشاعر والروائى الإيطالي "بوكاشيو- جيوفانى “الديكاميرون”(1) وهى من نوع الكوميديا الساخرة... ويطلق عليها الكوميديا الإيطالية.. وتتضمن مائه قصة يرويها بعض الفارين من فلورنسة، فكل منهم يروى قصة طريفة تتميز بروح الفكاهة والسخرية ومجموعها يقدم صورة صادقة عن الحياة والأخلاق فى ذلك الوقت بأسلوب ساخر.
ويعتبر “جوناثان “(2) أعظم كاتب ساخر فى الأدب الإنجليزى على الإطلاق. ومن أشهر أعماله “رحلات جليفر” التى ظهرت سنة 1726، والتى فيها أرخى العنان للسخرية بالخلق البشرى، والقصة خيالية تحكى أسفاراً وهمية فى بلاد الأقزام والعمالة حيث تتجلى وحشية البشر ودهاؤهم.
ثم ظهرت عبقرية أخرى هى”بلزاك”(3) بإبداعه لما عرف بـ”ألف ليلة وليلة الفرنسية” وهى قصص قصيرة بعنوان “الكوميديا الإنسانية"، والتى صدرت فيما بين 1832 و1847، فى مواجهة مع الكوميديا الإلهية، لدانتى الليجيرى، وتعتبر الكوميديا الإنسانية من القصص الساخرة سخرية لاذعة..
أما فى العصر الحديث فقد انتشرت الكوميديا الساخرة بأقلام “بنيرو"، وشو، ونويل كوارد، والتى كانت جذورها ترجع إلى القرن 16 وذلك كنوع من الملهاة الشعبية التى يختلط فيها النقد والفكاهة بالأغاني والرقص.
أما الكوميديا فى الأدب العربى قديماً.. فمن خلال فن القص كانت تحتمل الكثير من السخرية حتى من المعلومة خاصة، وكانت الخرافة تطلق على القصص، وأيضاً تسمى بالحديث، والخبر، والسمر والخرافة... وهذه الأخيرة تخلط الدهشة بالسخرية، وترددت فى “أخبار النضر بن الحارث وغيره...
ففى “خبر الحياة الأخرى" قال النضر بدهشة وسخرية شديدتين:
"حياة ثم موت ثم بعث لعمرى إن هذا حديث خرافة "
ودون “ابن النديم“ فى "الفهرست” من تلك القصص والحكايات وغيرها الكثير فى العصر العباسى وظهور “ألف ليلة وليلة“ و”كليلة ودمنة". إلى ظهور المقامات وما فى بعضها من مناظر ساخرة.
وفى العصر الحديث كان لعبد الله النديم دوراً بارزاً فى الكتابات الساخرة ومن ذلك ما صدر بعنوان "التنكيت والتبكيت"، ثم ظهر العديد من القصص القصيرة التى اختلطت فيها الكوميديا بالسخرية، أو ما يمكن تسميته بالكوميديا الساخرة، فنجدها عند طه حسين فى قصة “نادى الشياطين”(4) حيث نستشعر فيها نقداً ساخراً لمملكة إبليس، وهنالك يقــرع الشياطين لقلة الغاوين والمنحرفين. “قال إبليس: فأين النساء ؟ “
قال الشخص الماثل (شيطان): “تكبرت، كنا أشجع منا نفوساً وأقدر منا على الاحتمال، فآثرنا البقاء فيما يكتنفهن من ضيق، حتى يبلغهن أمرك أويأتيهن الموت ".
قال إبليس: "ولم يخذكم ما رأيتم من صبرهن واحتمالهن”؟
ثم سكن(إبليس) قليـــلاً، ثم قال: “بـــم يـــدعوك هـــذا الحـــى مـــن قريش ؟ “
قال الشخص الماثل: “يدعوننى هُبل “
قال إبليس: “ويزعمون إنك أكبر آلهتهم، فعد إلى مكانك مدحوراً مخذولا، لأؤمرن عليكم النساء منذ الليلة، ولأعقدن لواءكم للعزى”
ثم نجد مبدعين آخرين ساخرين مثل إبراهيم عبد القادر المازنى (5) الذى اشتهر بسخريته، وأنـه الضاحك من كـل شـئ حتـى مـن نفسه، ويقول أنه يتغلب على كآبته الأصيلة بالضحك ". ثم ها هو نجيب محفوظ نراه ساخراً فى مجموعته القصصية “همس الجنون “(6) بنظرته الفلسفية الساخرة، ثم ها هو الدكتور حسين مؤنس مبدع “إدارة عموم الزير "، التى تسخر من العهد الناصرى، إلى محمود السعدنى صاحب
كتاب “الولد الشقى “و”المتعوس فى بلاد الفلوس“ و”محمد مستجاب“ صاحب سلسلة السخرية من “آل مستجاب"، وغيرهم كثيرون...
جبرتى العصر الساخر
ولقد كان يوسف السباعى بقصصه القصيرة الساخرة من رواد الإبداع الساخر.. حتى لتكاد تجد فى عديد من قصصه القصيرة تعقباً ساخراً لمراحل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وكأنه كما وصفه نجيب محفوظ بـ “جبرتى العصر".. خصوصاً موقف السباعى الساخر من الأحزاب.. حتى ليصدق عليه بحق أنه مرآة عصره، وفى كل ذلك لا نستطيع إغفال العديد من رواياته التى لعبت السخرية فيها دوراً كبيراً...