السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يشعر يوما بأنه وحيد ومهمل وفى حالة تدعو الى الرثاء ، مثلما شعر عندما أصيب بنزلة صدريه
شديده قبل أيام . كانت هناك طبول تدق فى رأسه وبخار يتصاعد من رئتيه ودموع حارقه تشوي جفنيه
وسعال جافف لا يتوقف ويشق صدره شقا.
قال لي انه شعر بالخوف ، رغم علمه أنها وعكة طارئه .ورغم ثقته بصحته وشبابه وصلابة عوده
شعر بالخوف لأنه لم يكن فى حاجة الى الطبيب والى الدواء فحسب ، فهذان موجودان حسب الطلب .
لكنه احتاج الى كف حانيه تمسح جبينه والى عينين تدللانه مثل طفل صغير .
والحقيقه أنه لم يكن وحيدا . فقد كانت والدته العجوز تجلس عتد رأسه وشقيقاته يلبين طلباته وينفذن
أوامر الطبيب ويسقينه الدواء فى مواعيده والشوربه فى أوقاتها . لكنه كان يحتاج الى امرأة أخرى
تندس الى جواره فى فراش المرض و تأخذ رأسه المحموم الى صدرها وتقول له روحي فداك .
طافت فى باله كل وجوه البنات اللواتي تعلق بهن ثم هرب منهن . لم يكن يحب الارتباط وكان حريصا
على حريته يظن أن كل واحده من عازبات العالم تنصب له فخا . لكي توقع به وتسحب قدميه الى بيت
الطاعه كان يعرف أنه سيتزوج يوما ما ، لا محاله لكنه كان يؤجل تلك الخطوه ففي العمر متسع وفى الحياه
متع ولذائذ كثيره تنتظر أن تقطف وهو لم يشبع منها بعد.
لكنه حزين ووحيد مثل جورب مستعمل على فراش المرض ، مثل طفل لا حول له ولا قوه ، هدت الانفلونزا
حيله ووضعته وجها لوجه أمام الحقيقه ، أمام كونه انسانا هشا ، يريد كيانا آخر حميما يستند اليه.
لم تشفع له النزوات ولا أصدقاء الليالي السعيده، لم تشفع له عضلاته التي يربيها ثلاث مرات فى الاسبوع
فى نادي اللياقه الصحيه ، لم تشفع له عبارات التودد والمجامله التي يحفظها بلأطنان عن ظهر قلب .
ويرددها صباح مساء ان لسانه عاجز عن الحركه وكل مافيه عاجز عت الحركه وهو يريدها . تلك المرأة
التي كان يهرب منها ويتصورها قفصا جميلا متحركا.
أعرف لأنه سيقوم من فرش المرض مثل حصان بري وسيرمي علب الادويه والمسكنات فى سلة المهملات
وستستعيد عيناه شقاوتهما وسيعود لسانه الى سابق عهده فى الدلاقة والتودد والتقرب من الحسناوات لكن هل
سينسى هذه الواقعه التي هزت أركان قناعاته؟
طرحت عليه السؤال فسكت ولم يجب واعتبرت سكوته علامه ايجابيه على أنه استوعب أمورا جديده وانه
أدرك أن عليه اللحاق بالزمن قبل فوات الاوان ، و أن الأربعين ليست قمة الشباب ، بل بداية الانحدار الى
الجانب الاخر من الهضبه ورغم أن صديقا فى مثل حالته يحتاج الى التفهم و التشجيع فقد وجدت نفسي أطلق
فجأة قهقهه مرتاحه على سبيل السخريه منه والتشفي فيه ، ها هو الطود الشامخ يجلس محبطا أمامي
مثل جرذ حقير .
أعدت تذكيره بآلاف المرات التي كان يسخر فيها من عباد الله الساعين الى الزواج ، وبملايين النكات التي
كان يرددها فى هجاء الزواج ، كما ألمحت له الى أولئك المسكينات اللواتي كان يستميلهن ثم يغدر بهن .
كان مرتاعا وو أردت أن أزيد من خوفه . أن أحرك ستارة ضميره المسدله على الكثير من المباذل ،
أن استغل لحظة ضعفه خير استغلال هل كنت أنتقم من نفسي فى شخصه ؟
منقوووووووووووووول