شموع الأمل.. بدلاً من "لعن الظلام"
تعيش الأمة الإسلامية واحدة من أسوأ ما مر بها من حقب مظلمة، فإذا نظرت أيسر منك رأيت احتلالاً لأراضيها وانتهابًا لثرواتها ووأدًا لنهضتها، وإذا نظرت أيمن منك رأيت استبدادًا وظلمًا وعدوانًا وعونًا للمستعمرين الناهبين لثرواتنا، وقمعًا لكل عرق ينبض فينا بالمقاومة، وإذا نظرت أمامك رأيت تخلفًا لا تعرف هل نحن مصدره أم مجبرين عليه، وإذا نظرت خلفك رأيت ثقافة وفهمًا للإرث يصنع قابلية لكل ذلك: الاستعمار، والاستبداد والتخلف، ويحار لُبّك من أين تبدأ تلك الحلقة المفرغة التي تعيشها الأمة؟ ومن أين يمكن كسرها سعيًا للخروج منها؟.
وإذا جلست أنَّى جلست مع أصدقائك أو أقربائك أو جيرانك فلا تسمع إلا توصيفًا للمشكلة وشكاية من أحوالنا وما صرنا إليه، وكأننا أدمنا حديث "لعن الظلام" حتى صار نوعًا من الأفيون أو المخدر الذي نرتاح إليه، بل ونطلب المزيد منه كلما اعتدنا عليه، ولعل ما يزيد إحساسنا بحلكة هذا الظلام ما يلاقيه الناس في حياتهم الخاصة من صعوبات ومشكلات الحياة، وصدمة الناس في الناس، وهو ما يجعلنا جميعا نتساءل ما المخرج؟..
وفي هذا المقال نحاول سويًّا تلمس طريق للخروج.. عسى أن نوفق.
طريقنا يبدأ بالأمل
تذكرنا حال الأمة اليوم، بحال الأمة يوم الأحزاب، حين توافقت القبائل على حصار المدينة واستئصال العصبة المؤمنة فيها، وازداد الهم والغم بخيانة بعض ساكني المدينة الذين كانت "الوثيقة" تحكم العلاقة فيما بينهم.. وتصور هاتان الآيتان من سورة الأحزاب لنا الحالة المادية وتأثيرها على الحالة النفسية للمؤمنين: "إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتُلِيَ المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا" (الأحزاب: 10 - 11).
لعل تلك الحالة تشابه كثيرًا حالتنا اليوم إن لم تزد في ظلمتها، ولعل حال الأمة يوم سقوط بغداد عاصمة الخلافة وتكالب التتار والصليبيين لاستئصال شأفة الإسلام تشبه أيضًا تلك الحالة، ولعل أول مفتاح للخروج منها يبدأ في الاتجاه المعاكس، أي من الحالة النفسية إلى الحالة المادية؛ إذ يبدأ خروجنا بتعلقنا بحبل "الأمل"، وهو الأمر الذي يمكن أن نستنتجه مما روي عن رسول الله يوم الأحزاب وفي أثناء حفرهم للخندق من تبشيره لأصحابه بالفتوحات [1]، فالأمل هو الذي يزرع في الإنسان إرادة التغيير، أما اليأس فإنه مما يصيب الإنسان بالعجز والقعود والقنوط والنكوص، ولعل من أجمل ما قيل في باب الأمل ما حفظ الناس عن زعيم الأمة المصرية "مصطفى كامل" في قولته المشهورة "لا معنى للحياة مع اليأس، ولا معنى لليأس مع الحياة" [2].
فمن أين نأتي بالأمل؟
ولكن... من أين نأتي بالأمل إلى نفوسنا المتعبة والمجهدة من كثرة الإحباط والشعور بالعجز؟[/size].
لعل خير ما يجيب على سؤالنا هذا قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها"[3]، ففي ظل قيام الساعة والتي ربما لا يحلم الإنسان بأمل في تأخرها ولو لدقيقة واحدة، إذا استطاع الإنسان أن يقوم بـ"العمل" على غرس فسيلة فليفعل؛ إذ إن طريقنا إلى تحصيل الأمل يبدأ بالعمل، حتى وإن انعدمت رؤية الأمل للنظر القاصر من ورائه، فطالما أن هناك ثمة عمل، فهناك ثمة أمل، ومن ثَم فلا أمل إلا باستمرار العمل، وأظن أن أفراد الأمة ما زالت أمامهم مساحات للفعل والعمل، فلنحمد الله ولنبدأ العمل بما نستطيع، وتستطيعه أيدينا.. ولو غرسًا لفسيلة.
وليكن أول ذلك العمل، هو بث روح الأمل وإحيائه في النفوس، وهو ما يذكرنا مرة أخرى بأن ذلك كان المحور الرئيسي لما قام به الزعيم مصطفى كامل في حينه، ليس فقط من خلال "الكلام" في خطبه ومقالاته، بل من خلال منهج عملي متبصر لإحياء الأمة "عمليًّا" [4]، جنبًا إلى جنب مع إحيائها "نفسيًّا".
المصدر الثاني للأمل بعد العمل هو "الدعاء"، فمن الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه صباحًا ومساء "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل" [5]، والعجز هو الإحساس الذي يشعر به الإنسان في مواجهة حال الظلم وحلكة الظلمة، حينما ينظر أمامه فيجد الطريق مسدودًا، ولا يخرج بأفق تفكيره وعقله عن هدف معين يريد الوصول إليه، وطريقة معينة في بلوغ ذلك الهدف، وقد سدت أمامه الطريق ومنعت الطريقة فيقف عاجزًا بتفكيره مشلولاً بحركته، وهو ما لا يريده الله من عبده المؤمن فيناديه أن "استعن بالله ولا تعجز" [6].
"... فتحسسوا من يوسف..."
لعل مما يعين الإنسان أيضًا على تحصيل الأمل أن يتدبر قصص القرآن الكريم، ومن أكثر تلك القصص دلالة في باب الأمل ونفي اليأس قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وإذا كان الموضع يضيق عن معالجة السورة كلها فإننا سنمر على بعض المعاني ذات الصلة بالأمل.
وردت مشتقات لفظ اليأس في سورة يوسف أربع مرات، ولعل من أجمل تلك المواضع التي وردت فيها اللفظة مرتين هي الآية (87) من السورة والتي جاءت رواية عن نبي الله يعقوب عليه السلام وتضمنت سنة من سنن الله "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، أما الموضع الثالث الذي ورد فيه اللفظ فهو الآية (110) والتي تتضمن سنة أخرى من سنن الله "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين"، أما اللفظ الرابع والأول ترتيبًا فمن لطائف الأمور أنه قد ورد أولاً في الآية (80) ويخص بني يعقوب الذين آذوا يوسف ويعقوب "فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا..".
تتضمن السورة عددًا آخر من السنن والمعاني التي ينبغي للأمة أن تعيها وتتعلمها؛ لتعينها على تحصيل الأمل نقتطف منها تلك الباقة:
السُّنة الأولى: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (الآية:21)
السنة الثانية: "إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم" (الآية: 100)
السنة الثالثة: "إنه لا يفلح الظالمون" (الآية: 23)
السنة الرابعة: "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين" (الآية: 52)
السنة الخامسة: "إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (الآية: 90)
المعنى الأول: أن الحكمة والعلم من السمات التي تحتاج إليها الأمة في سيرها، وتلتمس من الله العليم الحكيم "وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث... إن ربك حكيم عليم" (الآية: 6)، "ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين" (الآية: 22)، والآية 100 السابق ذكرها، "وعلمتني من تأويل الأحاديث" (الآية: 101).
المعنى الثاني: اليقين في الله والذي يأتي من العلم المستقى "منه" سبحانه والذي يملأ النفوس بالأمل في الله: وهو المعنى الذي نتعلمه من نبي الله يعقوب: "وأعلم من الله ما لا تعلمون" (الآية: 86)، "قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون" (الآية: 96)، وهو مما لا يمنع من الحزن الطبيعي: "وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم" (الآية: 84).
"استعن بالله ولا تعجز"
أما الاستعانة بالله، فكما تكون دعاء كما سبق وقلنا، فإنها تكون أيضًا مناجاة، كما يعلمنا نبي الله يعقوب عليه السلام في سورة يوسف "إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله"، فعلينا أن نشكو بثنا وحزننا إلى الله الغالب على أمره واللطيف لما يشاء.
وأما عدم العجز فيعني أن يتخلص الإنسان من رذيلة القعود وقلة الحيلة، وذلك بأن يتحلى بالحيلة، والحيلة هي لون من ألوان الإبداع في التفكير والفعل خارج الصندوق، فإذا انسد أمام الإنسان طريق، أو منعت طريقة، فليسلك طريقًا آخر، وليفكر ويعمل بطريقة أخرى، فمن العجز أن يكون الإنسان كالبغل الذي يحشر رأسه في الإبريق ليشرب، فلا هو شرب ولا خرج رأسه، ومن تمام الحيلة تحصيل الحكمة والعلم بالزمان والمكان، فكما تعلمنا حكمة آل داود "على العاقل أن يكون عالمًا بزمانه" [7].
وإذا كان الظلم من حولنا فادح والإفساد فاضح، فإن الله قد علمنا في قرآنه منهجًا ذا حدين يتدافع به الناس ما بين حد أدنى: "ادفع بالتي هي أحسن"، وحد أقصى "فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض..."، وما بين الحدين تمتد طرق كثيرة للتدافع مع أهل الإفساد في الأرض إعمارًا للأرض وجلبًا للأمل، فإذا كانت أمتنا سفينة ذات ألف ثقب، فعلى الأمة أن تنتدب ألفًا من أبنائها يسلك كل منهم سبيله تجاه ثقب من تلك الثقوب، فليس من العقل أن نقف جميعًا على ثقب واحد مهما كبر، وليكن سعي الأمة دائمًا إيجابيًّا وبنَّاء، ولنوقد ألف شمعة.. بدلاً من أن ندمن "لعن الظلام
تعيش الأمة الإسلامية واحدة من أسوأ ما مر بها من حقب مظلمة، فإذا نظرت أيسر منك رأيت احتلالاً لأراضيها وانتهابًا لثرواتها ووأدًا لنهضتها، وإذا نظرت أيمن منك رأيت استبدادًا وظلمًا وعدوانًا وعونًا للمستعمرين الناهبين لثرواتنا، وقمعًا لكل عرق ينبض فينا بالمقاومة، وإذا نظرت أمامك رأيت تخلفًا لا تعرف هل نحن مصدره أم مجبرين عليه، وإذا نظرت خلفك رأيت ثقافة وفهمًا للإرث يصنع قابلية لكل ذلك: الاستعمار، والاستبداد والتخلف، ويحار لُبّك من أين تبدأ تلك الحلقة المفرغة التي تعيشها الأمة؟ ومن أين يمكن كسرها سعيًا للخروج منها؟.
وإذا جلست أنَّى جلست مع أصدقائك أو أقربائك أو جيرانك فلا تسمع إلا توصيفًا للمشكلة وشكاية من أحوالنا وما صرنا إليه، وكأننا أدمنا حديث "لعن الظلام" حتى صار نوعًا من الأفيون أو المخدر الذي نرتاح إليه، بل ونطلب المزيد منه كلما اعتدنا عليه، ولعل ما يزيد إحساسنا بحلكة هذا الظلام ما يلاقيه الناس في حياتهم الخاصة من صعوبات ومشكلات الحياة، وصدمة الناس في الناس، وهو ما يجعلنا جميعا نتساءل ما المخرج؟..
وفي هذا المقال نحاول سويًّا تلمس طريق للخروج.. عسى أن نوفق.
طريقنا يبدأ بالأمل
تذكرنا حال الأمة اليوم، بحال الأمة يوم الأحزاب، حين توافقت القبائل على حصار المدينة واستئصال العصبة المؤمنة فيها، وازداد الهم والغم بخيانة بعض ساكني المدينة الذين كانت "الوثيقة" تحكم العلاقة فيما بينهم.. وتصور هاتان الآيتان من سورة الأحزاب لنا الحالة المادية وتأثيرها على الحالة النفسية للمؤمنين: "إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتُلِيَ المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا" (الأحزاب: 10 - 11).
لعل تلك الحالة تشابه كثيرًا حالتنا اليوم إن لم تزد في ظلمتها، ولعل حال الأمة يوم سقوط بغداد عاصمة الخلافة وتكالب التتار والصليبيين لاستئصال شأفة الإسلام تشبه أيضًا تلك الحالة، ولعل أول مفتاح للخروج منها يبدأ في الاتجاه المعاكس، أي من الحالة النفسية إلى الحالة المادية؛ إذ يبدأ خروجنا بتعلقنا بحبل "الأمل"، وهو الأمر الذي يمكن أن نستنتجه مما روي عن رسول الله يوم الأحزاب وفي أثناء حفرهم للخندق من تبشيره لأصحابه بالفتوحات [1]، فالأمل هو الذي يزرع في الإنسان إرادة التغيير، أما اليأس فإنه مما يصيب الإنسان بالعجز والقعود والقنوط والنكوص، ولعل من أجمل ما قيل في باب الأمل ما حفظ الناس عن زعيم الأمة المصرية "مصطفى كامل" في قولته المشهورة "لا معنى للحياة مع اليأس، ولا معنى لليأس مع الحياة" [2].
فمن أين نأتي بالأمل؟
ولكن... من أين نأتي بالأمل إلى نفوسنا المتعبة والمجهدة من كثرة الإحباط والشعور بالعجز؟[/size].
لعل خير ما يجيب على سؤالنا هذا قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها"[3]، ففي ظل قيام الساعة والتي ربما لا يحلم الإنسان بأمل في تأخرها ولو لدقيقة واحدة، إذا استطاع الإنسان أن يقوم بـ"العمل" على غرس فسيلة فليفعل؛ إذ إن طريقنا إلى تحصيل الأمل يبدأ بالعمل، حتى وإن انعدمت رؤية الأمل للنظر القاصر من ورائه، فطالما أن هناك ثمة عمل، فهناك ثمة أمل، ومن ثَم فلا أمل إلا باستمرار العمل، وأظن أن أفراد الأمة ما زالت أمامهم مساحات للفعل والعمل، فلنحمد الله ولنبدأ العمل بما نستطيع، وتستطيعه أيدينا.. ولو غرسًا لفسيلة.
وليكن أول ذلك العمل، هو بث روح الأمل وإحيائه في النفوس، وهو ما يذكرنا مرة أخرى بأن ذلك كان المحور الرئيسي لما قام به الزعيم مصطفى كامل في حينه، ليس فقط من خلال "الكلام" في خطبه ومقالاته، بل من خلال منهج عملي متبصر لإحياء الأمة "عمليًّا" [4]، جنبًا إلى جنب مع إحيائها "نفسيًّا".
المصدر الثاني للأمل بعد العمل هو "الدعاء"، فمن الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه صباحًا ومساء "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل" [5]، والعجز هو الإحساس الذي يشعر به الإنسان في مواجهة حال الظلم وحلكة الظلمة، حينما ينظر أمامه فيجد الطريق مسدودًا، ولا يخرج بأفق تفكيره وعقله عن هدف معين يريد الوصول إليه، وطريقة معينة في بلوغ ذلك الهدف، وقد سدت أمامه الطريق ومنعت الطريقة فيقف عاجزًا بتفكيره مشلولاً بحركته، وهو ما لا يريده الله من عبده المؤمن فيناديه أن "استعن بالله ولا تعجز" [6].
"... فتحسسوا من يوسف..."
لعل مما يعين الإنسان أيضًا على تحصيل الأمل أن يتدبر قصص القرآن الكريم، ومن أكثر تلك القصص دلالة في باب الأمل ونفي اليأس قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وإذا كان الموضع يضيق عن معالجة السورة كلها فإننا سنمر على بعض المعاني ذات الصلة بالأمل.
وردت مشتقات لفظ اليأس في سورة يوسف أربع مرات، ولعل من أجمل تلك المواضع التي وردت فيها اللفظة مرتين هي الآية (87) من السورة والتي جاءت رواية عن نبي الله يعقوب عليه السلام وتضمنت سنة من سنن الله "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، أما الموضع الثالث الذي ورد فيه اللفظ فهو الآية (110) والتي تتضمن سنة أخرى من سنن الله "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين"، أما اللفظ الرابع والأول ترتيبًا فمن لطائف الأمور أنه قد ورد أولاً في الآية (80) ويخص بني يعقوب الذين آذوا يوسف ويعقوب "فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا..".
تتضمن السورة عددًا آخر من السنن والمعاني التي ينبغي للأمة أن تعيها وتتعلمها؛ لتعينها على تحصيل الأمل نقتطف منها تلك الباقة:
السُّنة الأولى: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (الآية:21)
السنة الثانية: "إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم" (الآية: 100)
السنة الثالثة: "إنه لا يفلح الظالمون" (الآية: 23)
السنة الرابعة: "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين" (الآية: 52)
السنة الخامسة: "إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (الآية: 90)
المعنى الأول: أن الحكمة والعلم من السمات التي تحتاج إليها الأمة في سيرها، وتلتمس من الله العليم الحكيم "وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث... إن ربك حكيم عليم" (الآية: 6)، "ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين" (الآية: 22)، والآية 100 السابق ذكرها، "وعلمتني من تأويل الأحاديث" (الآية: 101).
المعنى الثاني: اليقين في الله والذي يأتي من العلم المستقى "منه" سبحانه والذي يملأ النفوس بالأمل في الله: وهو المعنى الذي نتعلمه من نبي الله يعقوب: "وأعلم من الله ما لا تعلمون" (الآية: 86)، "قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون" (الآية: 96)، وهو مما لا يمنع من الحزن الطبيعي: "وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم" (الآية: 84).
"استعن بالله ولا تعجز"
أما الاستعانة بالله، فكما تكون دعاء كما سبق وقلنا، فإنها تكون أيضًا مناجاة، كما يعلمنا نبي الله يعقوب عليه السلام في سورة يوسف "إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله"، فعلينا أن نشكو بثنا وحزننا إلى الله الغالب على أمره واللطيف لما يشاء.
وأما عدم العجز فيعني أن يتخلص الإنسان من رذيلة القعود وقلة الحيلة، وذلك بأن يتحلى بالحيلة، والحيلة هي لون من ألوان الإبداع في التفكير والفعل خارج الصندوق، فإذا انسد أمام الإنسان طريق، أو منعت طريقة، فليسلك طريقًا آخر، وليفكر ويعمل بطريقة أخرى، فمن العجز أن يكون الإنسان كالبغل الذي يحشر رأسه في الإبريق ليشرب، فلا هو شرب ولا خرج رأسه، ومن تمام الحيلة تحصيل الحكمة والعلم بالزمان والمكان، فكما تعلمنا حكمة آل داود "على العاقل أن يكون عالمًا بزمانه" [7].
وإذا كان الظلم من حولنا فادح والإفساد فاضح، فإن الله قد علمنا في قرآنه منهجًا ذا حدين يتدافع به الناس ما بين حد أدنى: "ادفع بالتي هي أحسن"، وحد أقصى "فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض..."، وما بين الحدين تمتد طرق كثيرة للتدافع مع أهل الإفساد في الأرض إعمارًا للأرض وجلبًا للأمل، فإذا كانت أمتنا سفينة ذات ألف ثقب، فعلى الأمة أن تنتدب ألفًا من أبنائها يسلك كل منهم سبيله تجاه ثقب من تلك الثقوب، فليس من العقل أن نقف جميعًا على ثقب واحد مهما كبر، وليكن سعي الأمة دائمًا إيجابيًّا وبنَّاء، ولنوقد ألف شمعة.. بدلاً من أن ندمن "لعن الظلام
منقوووووووووووول للافاده والتدبر
كاميليا99